مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

لمجلة الفرقان عن موت الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

الأخوة في مجلة الفرقان سلَّمهم الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :

نزولاً عند رغبتكم في إصدار ملحق عن شيخنا ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – وطلبكم مني المشاركة في ذلك ، فأقول وبالله تعالى التوفيق والسداد لجميع المسلمين : إن لله ما أخذ وله ما أعطى ، وكل شيء عنده لأجل مسمى ، فلنصبر ولنحتسب .لقد كان الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – إماماً من أئمة أهل السنة في منهجه وطريقته ، وقدوة في زهده ورحابة صدره وصبره واحتسابه ، ولا شك أنَّ موته مصاب جلل ، زاد من شأنه وعظيم أثره ، موت ثُلَّة من العلماء قبله على رأسهم الإمامان الجبلان : ابن باز والألباني ، جعل الله الفردوس الأعلى منـزلهما .وبكل حال .. فقد كتب عنهما ، وسيكتب كثيرا ، وكذا عن الشيخ ابن عثيمين جعل الله الفردوس الأعلى مثواه.وأكتفي في هذا المقال بذكر وقفات عن موت العلماء ، أذكِّر بها نفسي ومن تبلغه من طلبة العلم ومحبي الخير :

* الوقفة الأولى : أن الموت سنة ماضية ، كما قال تعالى : [ كل نفس ذائقة الموت ] ، قال الإمام ابن كثير – رحمه الله تعالى - : ( وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس ) .

 

* الوقفة الثانية : أن الله تعالى حافظ لدينه وكتابه ، قال تعالى : [ إن نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ] ، فكم مات من عالم ؟ وكم دُفن من إمام ؟ بل قد مات النبي صلى الله عليه وسلم ودين الله باق .قال الإمام القرطبي – رحمه الله تعالى - : ( والأديان لا تزول بموت الأنبياء ) أ.هـ .

* الوقفة الثالثة : أن هناك صنفاً من الناس قد لبس الشيطان عليهم ، وجعل محبتهم لعالم معين سُلَّما لتنقص العلماء الآخرين والطعن فيهم ، وهذا مزلق خطير يؤدي بصاحبه إلى الردى ، ذلك لأن غيبة العلماء والقدح فيهم جريمة كبرى يتعدى ضررها إلى فتاواهم وكتبهم وطلابهم .قال الإمام ابن عساكر – رحمة الله تعالى - : ( اعلم أن لحوم العلماء مسمومة ، وأن عاقبة الله فيمن انتقصهم معلومة ، ولم يتكلم أحد في العلماء بالثلب إلاَّ ابتلاه الله قبل موته بموت القلب ) أ.هـ .وبكل حال ، فليتق العبدُ ربَّه ، وليراقب الله تعالى فيما يقول ، وليحذر من الوقيعة في العلماء ، بل الواجب عليه الدعاء لمن بقي من العلماء ، وأن نعرف لهم منـزلهم ومكانتهم ، وأن نتولى الدفاع عن سمعتهم وشرف بضاعتهم ، فكم نال العلماء – وسينالهم – من طعون أصحاب الأقلام المسمومة ، وكم من حاقد يتربص بهم ويفرح بزوالهم ، فلنكن عونا لعلمائنا – بعد الله – بدعائنا وملازمتنا لدروسهم ونشر علمهم بين الناس .

* الوقفة الرابعة : الالتفاف حول من بقي من علمائنا ، والنهل من معينهم ، والاستفادة من حكمتهم ، فذلك علامة خير وفلاح وصلاح للناشئة ، فعلى الناشئة وطلبة العلم أن يتداركوا من بقي من العلماء ، وأن يثنوا الركب في حلقاتهم ودروسهم .ولقد كان من هِمَّة سلفنا الصالح – عليهم رحمة الله تعالى – أنهم كانوا يشدون رحالهم للتلقي والتحصيل من أهل العلم ، وكانوا يتحسرون على موت الشيخ قبل الأخذ عنه .قال الخطيب البغدادي – رحمه الله تعالى - : ( ذكر من رحل إلى شيخ يبتغي علو إسناده فمات قبل ظفر الطالب منه ببلوغ مراد ) .ثم ساق الخطيب عدة وقائع منها : أن عبد الله بن داود قال :كان سبب دخولي البصرة أن ألقى ابن عون ، فلمّا صرت إلى قناطر بني دارا نُعي إليَّ ابن عون ، فداخلني ما الله به علم .فعلى طالب العلم أن يحرص على أشياخ بلده ، وأن قويت عزيمته رحل إلى غيرهم ، أما كبار العلماء فإن استطاع أن يبكر بالرحلة إليهم فليفعل وإلا فليحرص على اقتناء كتبهم وأشرطتهم .فيا طالب العلم احرص على كبار العلماء قبل فقدهم ، وسترى ثمار ذلك في علمك وسمتك .

* الوقفة الخامسة : أن يستشعر طلبة العلم مسئوليتهم ، وأنها قد تضاعفت ، فليبذلوا جهدهم وليستفرغوا وسعهم في زيادة التحصيل ، فطالب العلم إذا مات بقي مكانه شاغراً – إلى ما شاء الله – فكيف بمكان العالم .فالله الله في الاحتساب في تعليم الناس الخير ونشر العلم ، وكذا تحمّل أسئلة الناس ولين الجانب مع الجاهل ، ومتى ما علم الله صدق نية الداعي إلى الله بارك الله له في علمه وعمله ووقته وجميع شأنه .

* الوقفة السادسة : أن محبة الناس وتعاطفهم وكثرة تشييعهم لجنائز علمائهم مما يزيد التفاؤل بخيرية المجتمع ، وأن على طلبة العلم أن يستثمروا ذلك ويبذلوا قصارى جهدهم .قال تعالى : [ والذي جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وأن الله لمع المحسنين ] .

ختاماً ... الله اسأل أن يعز الإسلام والمسلمين ، وأن يذل الشرك والمشركين ، كما اسأله – عز وجل – أن يجبر مصاب المسلمين ، وأن يعوضهم خيرا ، وأن يتغمد الشيخ ابن عثيمين برحمته ، وأن يجعل الفردوس الأعلى منـزله ، كما اسأله – عز وجل – أن يوفق ولاة أمرنا وأمور المسلمين إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد ، إنه سميع مجيب* . 20/10/1421هـ 

* الأخوة الأكارم : الرجاء عدم اختصار المقال أو حذف أي كلمة ، شاكراً لكم حسن ظنكم بي .

مقالات ذات صلة