مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

إلى الشيخ عبدالوهاب الزيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ الكريم / عبدالوهاب بن عبدالعزيز الزيد وهب الله تعالى له من زوجه وذريته قرة عين وأعزّه بطاعته وزاده علما وعملا...آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وبعد:

أخي الكريم الشيخ عبدالوهاب بورك فيك .. لا يخفى على شريف علمك أن خدمة علم الحديث والعناية بمصنفاته وتقريبها للناس ، وحث الناس عليها .. من أعظم القربات وأرفع الدرجات.ومن من توالي نعم الله تعالى كثرة العناية بكتب الحديث والسنة نشراً وتحقيقاً ، وتسارع المطابع في إخراج المصنَّفات الحديثية رواية ودراية ، ويستثنى من ذلك تلك الطبعات التي لا تراعي للأمانة العلمية وزن قطمير ، فتلك كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.شاهد المقال أخي الكريم أنني قد حدَّثت  غير واحد من طلبة العلم المعتنين بكتب علم الحديث عن مشروع علمي أحسب أنه – إن شاء الله تعالى – سيُقرب بعيداً ويجمع متفرقاً ويزيد طالب العلم فهماً ودراية بكتب الحديث ، فتقوى مكلته وتنشط رغبته.. وهذا – جمع المفرِّق – أحد أنواع التصنيف المشهورة ، أعني بذلك وضع مصنَّف يعني بمنهج المؤلفين في مصنَّفاتهم ، سواء كانت تلك المصنفات متوناً أ, شروحاً.فمن المعلوم – في الغالب – أن لكلِّ مصنِّف منهجاً يسير عليه في مصنََّفه وهذا أمر له دلائله ، ومن تلك الدلائل :

- أن ينصَّ المصنِّف على منهجه في مقدمة كتابه ، وهذا واضح في كثير ، وبه تقطع جهيزة قول كل خطيب.

- أن ينثر المصنِّف قواعد وضوابط في طيات مصنَّفه ، وبجمع تلك القواعد والضوابط يهتدى إلى منهج المصنِّف .

- بالاستقراء الشمولي للمصنَّف ، ومن شواهد ذلك قول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى : ((.. وقد ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحد فإن اللفظ يكون للأخير ، والله أعلم )). ((فتح الباري _ 1/520)).

- أن ينُصَّ عالم معتبر على منهج كتاب معين ، وبخاصة إذا كان له عناية بذلك الكتاب من اطِّلاع واسع عليه ، أو قيامه بشرحه أو تحشية عليه ، أو غير ذلك مما يعنى بخدمة الكتاب المقصود ، ومن شواهد ذلك فيما يتعلق بكتب التفاسير أسوق من باب الفائدة ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في كلام موجز سديد حوى  فوائد عظيمة في وصف شمولي لبعض كتب التفسير تجعل القارئ والباحث يسير في قراءته وبحثه بدلالة معالم واضحة بيَّنها إمام جبل في قوة إدراكه وسرعة اطِّلاعه ، وإليك – ولا أحسب أنه يخفى عليك موضع كلامه – كلامه بنصَّه:(( الحمد لله ، أما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحُّها (( تفسير محمد بن جرير الطبري )) ؛ فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة ، وليس فيه بدعة ، ولا ينقل عن المتَّهمين كمقاتل بن بكير ، والكلبي.والتفاسير غير المأثورة بالأسانيد كثيرة : كتفسير عبدالرزاق ، وعبد بن حميد ، و وكيع ، وابن أبي قتيبة ، وأحمد بن حنبل ،وإسحاق بن راهويه.

وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة : ((البغوي)) لكنه مختصر من (( تفسير الثعلبي )) وحذف منه الأحاديث الموضوعة والبدع التي فيه ، وحذف أشياء غير ذلك .وأمّا الواحدي فإنه تلميذ الثعلبي ، وهو أخبر منه بالعربية ، لكن الثعلبي فيه سلامة من البدع ، وإن ذكرها تقليداً لغيره ، وتفسيره وتفسير الواحدي البسيط والوسيط والوجيز فيها فوائد جليلة ، وفيها غثّ كثير من النقولات الباطلة وغيرها.

وأما الزمخشري فتفسيره محشو بالبدعة ، وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات والرؤية والقول بخلق القرآن ، وأنكر أن الله مريد للكائنات ، وخالق لأفعال العباد ، وغير ذلك من أصول المعتزلة.. ))((... وهذه الأصول حشا بها الزمخشري كتابه بعبارة لا يهتدي أكثر الناس إليها ، ولا لمقاصد فيها ، مع ما فيه من الأحاديث الموضوعة ، ومن قلة النقل عن الصحابة والتابعين .و ((تفسير القرطبي )) خير منه بكثير ، وأقرب إلى طريقة أهل الكتاب والسنة ، وأبعد عن البدع ، وإن كان كل من هذه الكتب لا بد أن يشتمل على ما ينقد ، لكن يجب العدل بينهما وإعطاء كل ذي حق حقه.و((تفسير ابن عطيه)) خير من تفسير الزمخشري ، وأصح نقلا وبحثاً ، وأبعد عن البدع ، وإن اشتمل على بعضها ، بل هو خير منه بكثير ، بل لعله أرجح هذه التفاسير لكن (( تفسير ابن جرير )) أصح من هذه كلها . (( مقدمة في أصول التفسير )) لشيخ الإسلام (ص 42-43). ولتمام الفائدة لشيخ الإسلام كلام آخر فيه من عظيم الفائدة الشيء الكثير حول بعض المؤلفين ومؤلفاتهم .انظر ذلك في كتابه (( الرد على البكري )) ((ص 15 وما بعدها إلى ص 20)).

وعوداً على بدء يقال: إن معرفة منهج المصنِّف في كتابه يجعل القارئ يسير في أثناء قراءته على معالم واضحة ، فتقوى ملكته وتتّسع دائرة علمه.. فضوابط المصنِّف في كتابه كمنار الأرض يهتدي بها القارئ – بعد توفيق الله تعالى – إلى مراد المصنِّف ، فلا يلزمه بشيء لا يلزمه ، ولا بخسه حقاً هو له .ولهذا يخطئ بعض الناس – بل ويخطئ المصنِّف – لعدم فهمه لمنهج المصنف ، وبالمثال يتضح المقال:جرت عادة الإمام البخاري – رحمه الله تعالى – كما نبَّه إلى ذلك الإمام ابن حجر – رحمه الله تعالى – في مواضع كثيرة إلى أنه – أي البخاري – قد يسوق تحت الباب حديثاً الشاهد من الباب في لفظ آخر للحديث نفسه ، ومن ذلك قوله : (( باب السمر في طلب العلم )) ، ثم ساق لفظاً من ألفاظ حديث ميمونة ، وعندما ساق الحافظ في شرحه للحديث كلاماً لبعض أهل العلم في مناسبة الباب للحديث قال – الحافظ – بعد سياقه لأقوالهم : والأولى من هذا كله أن مناسبة الترجمة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طريق أخرى ، وهذا يصنعه المصنِّف كثيرا يريد به تنبيه الناظر في كتابه على الاعتناء بتتبُّع طرق الحديث والنظر في مواقع ألفاظ الرواة ؛ لأنّ تفسير الحديث بالحديث أولى من الخوض فيه بالظن ..)) ثم ساق الحافظ شاهد الباب من بعض ألفاظ الحديث.

وانظر لزيادة الفائدة في هذا : الجزء الأول من ((الفتح)) ( ص 257،413،470،471،494،577،612،615،657،659،691).

ومن باب الاستطراد في الفائدة : ما يُشكل على بعضهم من وجود بعض رواة متكلم فيهم في الصحيحين ، ولو عرف أولئك ما ذكره أهل العلم والعناية بالحديث والتخريج لزال إشكالهم واستشكالهم ، وقد أجاب على هذا – كما لا يخفاك – كثير من أهل العلم ، وأكتفي بذكر اثنين :

الأول : الإمام الزيعلي – رحمه الله تعالى – ، فقد قال ما نصه : ((.. ولكن صاحبا الصحيح – رحمهما الله – إذا أخرجا لمن تُكلم فيه فإنهم ينتقون من حديثه ما توبع عليه وظهرت شواهده وعلم أنّ له أصلا ، ولا يروون ما تفرّد به ، سيما إذا خالف الثقات..)) (( نصب الراية- 1/341 )). وقال الإمام ابن حجر عن الإمام البخاري – رحمهما الله تعالى – :((وقد تقرر أن البخاري حيث يُخرج لبعض من فيه مقال لا يُخرج شيئاً مما أنكر عليه )) (الفتح / 228).بعد هذا – أخي الكريم الشيخ عبدالوهاب – مرَّ عليَّ أثناء اطِّلاعي المحدود قواعد وضوابط يذكرها بعض العلماء عن مصنفات حديثية وغيرها , ورأيت خلال تصفحي لبعض الرسائل العلمية عناية ببعض الباحثين ببيان منهج المؤلِّف ، كما أن هناك بعض الكتب العلمية تكون مقصورة على العناية بكتاب أو كتب مع إبراز مناهج مؤلفيها وشروطهم وغير ذلك ، ومن تلك الكتب كتاب شخصك الكريم (( الأئمة الستة ، تراجمهم ، مصنفاتهم ، مناهجهم ، شروطهم )) و قد وصلني كتابٌ في شرح ألفاظ وعبارات في الجرح والتعديل للإمام الذهبي استخرجه ورتبه وعلق عليه خليل بن محمد العربي ، وهذا الكتاب تحت عنوان (( سلسلة فوائد منتقاة من المصنفات الحديثية )) ، وقد ذكر في مقدمته ( ص8) أن من كتبه التي جمعها من كلام الإمام الذهبي كتاب (( مناهج الأئمة في مصنفاتهم الحديثية )).

والشاهد من هذا وما سبقه : أن تنشط لجمع كلام العلماء فيما يتعلق بمناهج المصنفين في مصنفاتهم الحديثية ، وإن مددت بساط البحث فجعلت ذلك سلسلة لكتب الحديث والتراجم والتفسير وغيرها ، وكذا ما ينصّ عليه بعض العلماء من ضوابط منفردة تتعلق براوٍ معيَّن أو إسناد معيَّن وما قارب ذلك .. لعظم النفع وكثر الأجر بفضل الله تعالى .وسأكتب لك بجميع ما قيَّدته عندي من هذا القبيل وإن كان قليلاً ، ولكن لعلّ الله أن ينفع به كاتبه وناشره ومن بلغ.شكر الله لك ، في جهودك في العناية بكتب الحديث ، وجعلنا الله تعالى من أهل الحديث وأنصاره قولا وفعلا وكتابة.

أخوك ومحبك في الله

د. عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله السدحان

26/4/1429هـ

مقالات ذات صلة