مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

إلى الشيخ صالح بن حميد لطائف عن الحرمين الشريفين

معالي الشيخ الدكتور رئيس مجلس الشورى/ صالح بن شيخنا العلّامة عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله تعالى... آمين

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ففي اجتماعنا ليلة الثلاثاء 22/4/1429هـ بمعية معالي الشيخ الكريم صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية، ومعالي الدكتور عبدالله العبيد وزير التربية في منزل الشيخ بدر ـ أثابه الله تعالى ـ ذكرتم أنّ لكم مصنَّفًا يتعلّق بالحرمين الشريفين بما مرَّ عليهما من أطوار تاريخية، ويتضمَّن ذلك ما يتعلق بالحرمين من ذكر الدروس والأئمة وغير ذلك من العادات التي يسلكها أهل كلِّ جيل، وذكرتُ لكم في حديثي بعض اللطائف فرغبتم بتقييدها، وإليكم ـ رعاكم الله تعالى ـ شيئًا ممَّا عثرتُ عليه من التقييدات:

1- أباطيل شائعة في زيادة ماء زمزم سبعة أذرُع، وكيف يكون حال الناس من التزاحُم والصياح وقت تلك الزيادة المزعومة، بيَّن بُطلانها ابن جُبير في «رحلته»، وأنّ أحد من كانوا معه دخل قبة زمزم وقاس حدّ الماء قبل موعد الزيادة المزعومة ثمَّ قاسه وقت الزيادة فوجده كما كان! بل لمّا قاسه في ليلة اليوم المزعوم وجد الماء ناقصًا! انظر الخبر مفصَّلًا في «رحلة ابن جُبير» (ص118-119).

2- سوء صنيع خطيب الحرم النبوي وتألّم الرحَّالة ابن جبير من سوء صنيعه. «الرحلة» لابن جبير (ص179-180).

3- وادي فاطمة: المشهور المتبادر للذِّهن أنّ المراد بفاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الصحيح ما ذكره الكاندهلوي في كتابه «حجَّة الوداع» (ص40) فقال ما نصُّه:

«وفي «المعجم»: مرّ الظهران موضعٌ على مرحلة من مكّة، وأفاد العزيز محمد الرابع أنّ مرَّ الظهران يُسمَّى الآن بـ«وادي فاطمة»، وهذا الاسم حادثٌ من قريب مائتي سنة، وفاطمة كانت امرأةً تُركية شهيرة كان في هذا الموضع بساتينها وأملاكها ومزارعها من مكة على 25 كيلو مترًا. انتهى».

4- وجه تسمية البيت الحرام «كعبة» قيل: لتكعبه، أي: تربُّعه. يقال: برد مكعب إذا طُوِيَ مربعًا. وقيل: لعلوِّه ونتوئه، ومنه سُمِّي الكعب كعبًا لنتوئه وخروجه عن جانب القدم. يقال: تكعَّبت الجارية إذا خرج نهداها. وقيل: لانفرادها عن البيوت وارتفاعها. «الجامع اللطيف» لابن ظهيرة (ص26).

5- من لطيف قول الخرقي ـ رحمه الله تعالى ـ في «مختصره» ما نصُّه: «ثمّ أتى الحجر الأسود إن كان...». قال الشرَّاح قوله «إن كان»: لأنّ الحجر الأسود في زمنه كان عند القرامطة.

6- ذكر ابن الصلاح في «منسكه» حدوث بدعتين في جوف الكعبة بعد الستمائة:

إحداهما: العروة الوثقى، وذلك أنهم عمدوا إلى موضع عالٍ داخل الكعبة مقابل الداخل من بابها فسمَّوه بـ«العروة الوثقى» وأوقعوا في العقول الضعيفة أنّ من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى! فألجأهم ذلك إلى أن يقاسوا في الوصول إلى ذلك المحلّ عناءً وشدَّةً بحيث يركب بعضهم بعضًا، وربما صعدت الأنثى فوق الذكَر ولامست الرِّجال ولامسوها! فيلحقهم بذلك أنواعٌ من الضرر دنيا ودينًا.

الثانية: أنّ في وسط البيت مسمارًا سمَّوه «سرّة الدنيا»، وحملوا العامَّة على أن يكشف أحدهم سُرَّتَه وينبطح على ذلك المسمار! فلا قوَّة إلّا بالله.

قال السيِّد الفاسي :: وهذان الأمران لا أثر لهما الآن في الكعبة. وكان زوال البدعة المسمَّاة بـ«العروة الوثقى» في سنة إحدى وسبعمائة بأمر بعض العلماء الواردين في السنة المذكورة. انتهى.

ولم يذكروا زوال البدعة الأخرى متى كان. «الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف» تأليف: جمال الدِّين محمد جار الله بن محمد نور الدِّين ابن ظهيرة القرشي (ص103-104).

7- اعتقاد بعض الناس عدم طيران حمام الحرم فوق هواء سطح الكعبة: وقد بحثت عن أصل تلك المقالة ـ عدم مرور الحمام فوق الكعبة ـ فلم أعثُر إلّا على ما ذكره الجاحظ في «كتاب الحيوان» قال ـ في «باب ذكر خصال الحرم» ـ: «... ومن خصاله أنه لا يسقط على الكعبة حمام إلّا وهو عليل، يعرف ذلك متى امتُحن وتعرّفت حاله، ولا يسقط عليها ما دام صحيحًا، ومن خصاله أنه إذا حاذى أعلى الكعبة عَرَقة من الطير ـ كاليمام وغيره ـ انفرقت فرقتين ولم يعلها طائرٌ منها». «كتاب الحيوان» (3/139).

وجاء في جواب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية: «ليس لحمام المدينة ولا لحمام مكة ميزة تخصُّها دون غيرها من الحمام سوى أنه لا يجوز صيده ولا تنفيره...» الخ. «فتاوى اللجنة» (3/64).

8- فائدة تتعلق بمضاعفة الصلاة في الحرم المكِّي: حديث: «صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة». قال أبو بكر النقاش: فحسبتُ ذلك في هذه الرِّواية فبلغت صلاةٌ واحدة بالمسجد الحرام عُمر خمس وخمسين سنةً وستة أشهُر وعشرين ليلةً، وصلاة يوم وليلة في المسجد الحرام ـ وهي خمس صلوات ـ عُمر مائتي سنة وسبع وسبعين سنةً وتسعة أشهُر وعشر ليال» انتهى. انظر: كتاب «مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحجّ بيت الله الحرام» للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جاسر رحمه الله تعالى (1/239).

9- مسالة غسل الكعبة وهل لذلك أصل؟ وقد بعُد العهد عن بحث في ذهني، لكن انظر ما ذكره الرحَّالة ابن جُبير في «رحلته» (ص116) عن غسل البيت بماء زمزم، ثمَّ اعجب من تصرُّف الجهلة والعامَّة.

جاء في كتاب «الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها» تأليف جمال الدِّين محمد جار الله بن ظهيرة القرشي (ص118-119): «روى ابن عُمر ب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا دخل مكة يوم الفتح أمر بلالًا فرقي على ظهر الكعبة فأذّن بالصلاة، وقام المسلمون وتجرَّدوا في الأزُر وأخذوا الدِّلاء وارتجزوا على زمزم فغسلوا الكعبة ظهرها وباطنها، فلم يدَعوا أثرًا من آثار المشركين إلّا محوه وغسلوه». وهذا الخبر في الجملة يصلح أن يكون شاهدًا لما يفعله الحجبة من غسل باطن الكعبة في كلِّ عام، والله أعلم.

10- مهنة الطوافة: نشأت بمكة على عهد المماليك الجراكسة إذْ كانوا يجهلون اللغة العربية، فهم في حاجة إلى من يُلقِّنهم المأثورات ويُرشدهم إلى أداء المناسك، وكان أوَّل مطوِّف بمكة هو القاضي إبراهيم بن ظهيرة، وهو الذي قام بتطويف السلطان قايتباي حين أدَّى فريضة الحجّ عام 884هـ». كتاب «لبَّيك» تأليف: محمد كامل حته (ص50).

11- جاء في كتاب «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام» لأبي الطيِّب تقيّ الدين الفاسي ما نصُّه: «وإبراهيم المنسوب إليه هذا الباب(1) خياط كان عنده على ما قيل، كما ذكر ذلك أبو عبيد البكري في كتابه «المسالك والممالك»، وذكر أنّ العوام نسبوه إليه، ووقع للحافظ ابن عساكر وابن جبير وغيرهما من أهل العلم ما يقتضي أنّ إبراهيم المنسوب إليه هذا الباب هو إبراهيم الخليل ؛؛ وذلك بعيدٌ لأنه لا وجه لنسبته، والله أعلم».

وانظر معالي الشيخ ـ رعاك الله تعالى ـ: «ذكريات الشيخ علي الطنطاوي» (1/111).

12- جاء في «سنن سعيد بن منصور» (2/93): «كانت الجارية من أهل المدينة إذا أرادوا أن يهدوها إلى زوجها يُنطلَق بها إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدعون لها، ثمّ يُنطلق بها إلى زوجها».

وقد أعجبني كتاب الشيخ محمد عبدالسَّلام هارون «كنّاشة النوادر» اسمًا ومضمونًا، فأردتُ محاكاته في مؤلف يجمع فوائد متنوِّعة، وهذه الفوائد ـ وغيرها كثير ـ مقيَّدة لديَّ في مسوَّد أسميته بـ«وكنات الطير»،

وهو جامعٌ لفوائد متنوِّعة من فنون كثيرة كنت أقيِّدها في أثناء القراءة فتحصَّل لي مئات بفضل الله تعالى، ولعلّ الله تعالى ييسِّر ترتيبها ثم طبعها ليجري أجرها على جامعها وقارئها وسامعها ومن بلغ.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محبُّكم

د. عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله السدحان


(1) أحد أبواب الحرم المكِّي.

مقالات ذات صلة