مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

مقدمة كتاب حقوق غير المسلمين في بلاد الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة لكتاب [ حقوق غير المسلمين في بلاد الإسلام ] للدكتور / صالح العايد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله..

وبعد: فلما كانت أمور الناس لا بد لها من حقوق وقيود تحكم حياتهم وتنظّم مجتمعاتهم وترتّب شئونهم ، ومن لوازم ذلك ونتائجه حصول السعادة الدنيوية والبرزخية والأخروية.لما كان الأمر كذلك كانت تعاليم الشرائع السماوية هي القائمة بذلك والمنظِمة لتلك الحقوق والمقدمات التي تترتب عليها تلك النتائج لذلك كان انتظام حياة الناس واستقرارها بحسب التزامهم بتعاليم شريعتهم.

وإذا كان ذلك كذلك فإِنَّ من أعظم الأمور تأثيراً في انتظام حياة الناس ما يتعلق بالعدل ، فالعدل مم تُقِرُ بمصلحته العقول وتشهد لحسنه الفِطَر ، ولذلك أوجبته جميع الأديان السماوية ، فبالعدل قامت السماوات والأرض ، وبالعدل قوام الدين والدنيا والآخرة ، فبقيام العدل تزكو النفوس وتطمئن القلوب وتتآلف الأفئدة والأبدان .

وجماع ذلك صلاح أحوال الدين والدنيا.ولما كانت شريعة هذه الأمة عدلاً في جميع شأنها كانت أعظم الشرائع وأزكاها وأفضلها وأكملها ، فهي شاملة كاملة ، بل ومن كمالها الذي لا يعتريه نقص أنها تتعامل مع الحال والمكان والزمان بحسب تحقيق المصلحة ودرء المفسدة ، فهي عدل في أمورها الحسية والمعنوية.يؤكد هذا ويقرره أنّ دين الإسلام أعطى كل ذي حقٍ حقه ومستحقه ، فأعظم الحقوق: حق الله تعالى ، وهو عبادته وعدم الشرك به ، ثم حق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو من لازم حق الله تعالى ، وذلك باتباعه فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر.

ومن الحقوق : حق الوالدين ، وحق الأولاد ، وحق الزوجة ، وحق الجار ، وحق العلماء ، وحق الأخوة والصحبة .فمع الوالدين عدل ببرهما والإحسان إليهما حتى لو كانا مشركين.

ومع الأولاد عدل بينهم فلا يُفضّل أحدهما على الآخر.ومع الزوجة عدل بمعاشرتها بالمعروف.

ومع الجار عدل بإكرامه وعدم أذيته.ومع العلماء عدل بمعرفة منزلتهم واحترام مكانتهم.

ومع أخيه المسلم وصاحبه إذا أخطأ عدل في أُخُوّته فينصره ظالما بالسعي برده عن الظلم ، وينصره مظلوما بالسعي في إرجاع حقه.

ولم يقف كمال عدل هذه الشريعة مع الآدميين فحسب بل تعدى ذلك إلى غيرهم كالبهائم. فمع الحيوان عدل في استخدامه ، فلا يكلّفه ما لا يطيق ، وعدل عند ذبحه بالإحسان في كيفية ذبحه وقتله ، بل من عدل الإسلام مع الحيوان أنه توعّد من عذّب الحيوان بالعقاب كما في قوله صلى الله عليه وسلم : «دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت ، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشائش الأرض»، فإذا كان هذا العدل والإنصاف في شأن الحيوان فكيف في شأن الإنسان ؟!

بل تتسع دائرة الحق في الإسلام فتشمل حق الطريق ، كما قال صلى الله عليه وسلم : «اعطوا الطريق حقه». قالوا : وما  حق الطريق يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : « كف الأذى ، وغض البصر ، ورد السلام ».

فمما سبق وغيره يتبين بأوضح بيان وأقوى برهان أن شريعة الإسلام قائمة على مبدأ العدل ، بل إن العدل كائن في جميع جزئياتها وكلياتها إمّا نصاً أو تضمّناً.ومن شواهد ذلك قوله تعالى : {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}، {وإذا قلتم فاعدلوا} ، {اعدلوا هو أقرب للتقوى} .

ولشمولية عدل الإسلام وعظم كماله واكتماله فإنه قد جعل للمخالف في الدين حقا له يؤدي إليه ، وحقاً عليه يؤديه.وعودا على بدء يقال.. لما كان أمر المخالف في الدين تتنازعه الشهوات والشبهات بحكم ما بين عقيدة المسلم وغير المسلم جاءت النصوص في شأن حقه واضحة جليّة لتزيل اللبس حتى لا يُمنع حق عن صاحبه فلا ينقض عهده ولا يُخلف وعده ولا يُعطى ما ليس له . {ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى }.

وأعظم صور العدل مع غير المسلمين دعوتهم إلى الإسلام وفرحهم بدخول غير المسلمين في الإسلام ؛ ذلك لأن من أصول العدل أن يحب المرء الخير للآخرين ، وأعظم الخير الإسلام لله تعالى والخلوص من عبادة غيره أو الإشراك في عبادته ؛ لأن عبادة غير الله تعالى وعدم توحيده من ظلم الإنسان لنفسه.ومن عدل الإنسان مع نفسه وفطرته أن يدفعها إلى ما فيه صلاح دينها ودنياها ، لا يكون ذلك إلا بالإسلام الحق ، فهو دين التوحيد المضاد للشرك ، ودين العدل المضاد للظلم ، ودين الأخوّة والمحبة المضاد للعداوة والمنافرة ، ودين الفضيلة المضاد للرذيلة.

ومن تصفح دواوين التاريخ رأى مدى تأثير المسلمين في غيرهم وكيف هذّب الإسلام أمورهم فجعلهم مثالاً يُحتذى في تعاملهم التجاري والاجتماعي وغير ذلك مما كان سبباً في دخول كثيرين في الإسلام ، وهذا يشهد به غير المسلمين ، كما سترى شيئا من ذلك في طيات هذا الكتاب.

شاهد المقال ..أن الإسلام دين عدل في أوامره ، عدل في نواهيه ، عدل في أحكامه وآدابه ، عدل مع أهله ومخالفيه ، فهو عدل كله.وإذا كان ذلك كذلك فكيف يتجرأ كاتب أو يتفوّه قائل بأن الإسلام فيه ظلم ؟! وأعظم من ذلك أن يجعل الإسلام دين إرهاب !!فأولئك لا يخلو حالهم من كونهم جُهّالاً أو أصحاب هوى أومقلّدة يحاكون غيرهم فيما يقولون ويكتبون دون حرص على طلب الحقيقة.وهذا كله عدم عدل مع دين العدل الذي أمر بالعدل ونهى عن ضده.

والعجب من أولئك المتهمين للإسلام أنّهم أصموا آذانهم وأعموا أبصارهم عن النصوص الشرعية الكثيرة الآمرة بالعدل نصاً أو تصمّناً.وأعجب من ذلك أنهم أصروا على اتهامهم  للإسلام مع أنّ عدداً غير قليل من غير المسلمين – من السابقين والمعاصرين – شهدوا بعدالة الإسلام ، وأثبتوا ذلك في كتبهم أو مقالاتهم مستشهدين في ذلك بما تضمنته النصوص الشرعية وبما حوته دواوين التاريخ من صور العدل والإنصاف ورد الظلم و الاعتساف عن غير المسلمين في دولة الإسلام.

ولا تزال الأحاديث القلمية واللسانية من غير المسلمين شاهدة بعدل الإسلام وعظمته.وانطلاقا من مبدأ العدل يؤكد هاهنا أن عدداً من غير المسلمين قاموا في هذا الوقت في وجه هذه الهجمات الشرسة المتهمة للإسلام بالظلم والإرهاب ، وصرّحوا في مقابلاتهم الإعلامية – مسموعة ومرئية ومقروءة – بعدالة الإسلام ، قام أولئك بقول الحق والدفع عن اتهام الإسلام وفرّقوا بين حقيقة الإسلام وبين ما يُنسب إليه كذبا وزوراً.

ومن باب قوله صلى الله عليه وسلم : «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»، فإننا ندعو الله تعالى لهم بالتوفيق إلى دخول الإسلام ، ونبشّرهم بأن في ذلك خير الدنيا والآخرة ، كما يُشكرون على دفاعهم عن الإسلام.

ختاماً .. في هذا البحث الصغير الحجم  ، العظيم النفع ، أفاد وأجاد مؤلفه الأستاذ الدكتور/ صالح بن حسين العايد ، في بيان عدالة الإسلام وإنصافه مع كل أحد ، حتى مع غير المسلمين وهو بيت القصيد في هذا المبحث ، مستشهدا في ذلك ببعض النصوص القرآنية والنبوية وما ورد من الآثار من الأقوال والأحداث التاريخية الشاهدة على عدالة الإسلام مع مخالفيه.إضافة إلى بعض النقول التي قالها غير المسلمين في عدالة الإسلام وإنصافه.

فجزى الله تعالى الأستاذ الدكتور/ صالحاً خير الجزاء ، وبارك في قلمه وعلمه وعمله وجميع شأنه.وحبذا لو تُرجم هذا الكتاب بلغات أخرى حتى تتسع به دائرة النفع فتزول به جهالات وتدفع به شبهات .

ومما يُذكر للمؤلف ويُشكر عليه ما أجاب على السؤال المتضمن لمنع المملكة العربية السعودية من إقامة الكنائس في أرضها ، فقد جاء جوابه – أثابه الله تعالى – موفقا مسددا ، من خلال سياقه للنصوص الشرعية المانعة من إقامة دين غير دين الإسلام في تلك الجزيرة ، وهذا الأمر لا مساومة فيه. فبارك الله تعالى في المؤلف وزاده الله تعالى توفيقا وسدادا. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

د. عبدالعزيز بن محمد السدحان 26/6/1424هـ المقدمة لم تُطبع مع الكتاب

مقالات ذات صلة