مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

إلى الأخوين يحي وعمر أبناء الشيخ عبدالله آل عبدالوهاب رحمه الله

إلى الأخوين الكريمين الأستاذ يحيى والشيخ عمر ، أبناء الشيخ عبد الله بن عبد العزيز آل عبد الوهاب سلمهما الله تعالى وبعد :

فلقد سألتما عن بيت شعري كان والدكم بل والدنا جميعا – رحمه الله تعالى – كثيراً ما يتمثّل به وهو :

كأن لم يكن بين الحجون والصفا *** أنيس ولم يسمر بها سامر

وقد تذاكرت هذا البيت مع سمو الأمير الشهم النبيل أصمعي آل سعود ( عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود ) ، سلَّمه الله تعالى ، فأخبرني أن البيت مكسور في موضعين ، وأن صوابه :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكة سامر

وأفادني أيضاً : بأن البيت لشاعر جاهلي . ثم اتصل الأمير ببعض المختصين بالأدب ، فذكروا له صحة تقويمه للبيت ، وأن قائل البيت هو : مُضاض الجرهمي . ثم رجعتُ بعد ذلك وبحثت في بعض كتب الشعر وكتب تواريخ مكة فوجدت البيت كما صوّبه الأمير في كتاب ( أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه ) ، للإمام الفاكهي في المجلد الرابع ص143 ، ص158 ، منسوبا إلى مضاض بن عمرو الجرهمي .

وإتماماً للفائدة .. فالبيت المذكور ورد في قصيدة لمضاض الجرهمي وله خبر طويل ذكره أبو الوليد الأزرقي في كتابه ( أخبار مكة ) ص90-99.

وخلاصة الخبر : { أن حربا نشبت بين خزاعة وجرهم وكانت ولاية الحرم والقيام بشأنه ( لجرهم ) ، وكانوا أعز حي في العرب وأكثرهم رجالاً وأموالاً وسلاحاً ، لكنهم استحلوا من الحرم أمورا عظاما ، واستخفوا بحرمة الحرم ، وأكلوا مال الكعبة ، ومازالوا كذلك حتى ضعف أمرهم على ولاية الحرم ، فقام رجل منهم يقال له مضاض بن عمرو فوعظهم وخوفهم من سوء عاقبة أمرهم ، وذهاب أمن الحرم من أيديهم ، لكنهم لم يقبلوا نصحه وتذكيره ، فتركهم وشأنهم ، فجاء قوم من اليمن ومروا بمكة وطلبوا من جرهم النـزول في أرض مكة مدة مؤقته ، فرفضت جرهم طلبهم ، ولم تأذن لهم ، فهددهم أهل اليمن فأصرت جرهم على منعهم ، فنـزل أهل اليمن بقوة فاقتتلوا مع جرهم ثلاثة أيام ، فكانت الغلبة لأهل اليمن ، وأفنوا جرهم بالسيف فذكّرهم مضاض بن عمروا بتحذيره لهم ثم رحل هو وولده وأهل بيته وتركوا جرهما – ثم بعد حوادث طويلة – تولت خزاعة أمر مكة وصاروا أهلها ، فجاءهم بنوا إسماعيل وكانوا قد اعتزلوا حرب جرهم وخزاعة ، فلم يدخلوا في ذلك ، فسألوهم السكن معهم وحولهم ، فأذنت خزاعة لبني إسماعيل ، فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو ابن الحارث اشتاق إلى مكة ، فأرسل إلى خزاعة يستأذنهم في النـزول في مكة ، وذكّرهم بأنه لم يشارك مع قومه في قتالهم ، وأنه ذكّر قومه وحذّرهم من ذلك ، فأبت خزاعة طلبه ، حتى قال سيدهم عمرو بن لحي : ( من وجد منكم جرهميا قد قارب الحرم فدمه هدر ) . فنـزعت ابل لمضاض بن عمرو من قنونا – وهو من أوديه السراة على ساحل البحر الأحمر - تريد مكة فخرج في طلبها حتى وجد أثرها قد دخلت مكة فمضى على الجبال من نحو أجياد حتى ظهر على أبي قبيس يتبصر الأبل في بطن وادي مكة ، فأبصر الإبل تنحر وتوكل لا سبيل إليها فخاف إن هبط الوادي أن يقتل فولى منصرفا إلى أهله يقول :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكـــة سامــــــــر

ولــم يتربـــــع واسطــــاً فجنوبـــــــــه *** إلى المنحنا من ذي الأراكة حاضـر

بلى نحن كنـــــا أهــلهـــــا فــأزالنـــا *** صروف الليالي والجدود العواثر(1)

وبدلنا ربــي بهــــــا دار غـــربـــــــــة *** بها الذيب يعوي والعدو المحاصر

فإن تملء الدنيا عليــــنا بكلهـــــــا *** وتصبح حال بعــــدنا وتشاجـــــر

فكنا ولاة البيــت من بعــــد نابـــــت *** نطوف بهذا البيت والخير ظاهــر

ملكنا فعززنـــا فاعظــــم بملكنـــــا *** فليس لحــــي غيرنا ثـــم فاخــــــر

فانكح جدي خيــر شخص علمـــتـــه *** فابناؤه منــا ونحــن الأصاهـــــــر

فإن تنثني الدنيا علينا بحالهــا *** فإن لها حالا وفيهــــا التشاجــــر

فاخرجــــنا منـــه المليك بقــــــدرة *** كذلك بين الناس تــجري المقــادر

أقـــــول إذا نــــام الخلــي ولم انــم *** إذا العرش لا يبعد سهيــل وعامــر

وبدلت منهـم أوجــهاً لا أحـبـهــــــا *** وحمير قد بدلتهـــــا والــيحابــــر

وصرنا أحاديثاً وكنــا بـغــبطـــــة *** كذلك غضتنا السنــــون الغـــوابر

فسحت دموع العين تبكــي لـبلـــدة *** بها حـــرم أمن وفيهـــــا المشاعــــر

بـواد أنيــس ليس يـــؤذي حـمـامــه *** ولا منفـــراً يوماً وفيها العصافـــر

وفيها وحــوش لا تـــرام أنـيســـــة *** إذا خـــرجت منها فما أن تغــــــادر

فيا ليت شعري هل تعمر بعدنـــــا *** جياد فمـمضـــى سيله فالظواهــــر

فيطن منى وحش كأن لم يسر بــه *** مضاض ومن حبـــــي عدي عمايــــر} انتهى باختصار من كلام ابن الوليد الأزرقي في ( أخبار مكة ) .

هذا ما لزم بيانه بشأن البيت المذكور ، وإنما أطلت طمعاً في تمام الفائدة .غفر الله لوالدنا جميعا الشيخ عبدالله آل عبد الوهاب ، وجمعنا به في فردوسه الأعلى وختاماً .. اسأل الله جل وعلى أن يرفع درجة الشيخ عبد الله في المهديين ، وأن يخلفه في عقبه في الغابرين ، كما أوصي ذريته وأحفاده أن يكونوا خير سلف لخير خلف ، إنه تعالى سميع مجيب . أخوكم ومحبكم في اللهعبد ا لعزيز بن محمد بن عبد الله السدحان 8/3/1423هـ


(1) لعل هذا يكون داخلا في سب الدهر ، فلينتبه إليه .

مقالات ذات صلة