مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

مقدمة لكتاب الصحابة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين …

أما بعد :فلقد خلق الله الناس وفاضل بينهم في الأرزاق والأنساب والأحساب وغير ذلك ، فغني وفقير ، وشريف ووضيع ، وصحيح وعليل ، وهذه الخصائص والصفات تبين تفاضل الناس فيما بينهم .وقد يتقارب بعض الناس أو يتساوون في بعض تلك الصفات أو جميعها ، إلا أن من الخصائص والصفات ما يسمو بصاحبه ويجعله متعالياً يصعب الوصول إلى قربه فضلاً عن مساواته .

ومن أولئك الصفوة الذين يصعب الرقي – بل التشوُّفُ – إلى مكانتهم ومنزلتهم جماعة الصحابة رضي الله تعالى عنهم .فمرتبة الصحبة من أشرف المراتب فضلاً وأعلاها قدراً دون النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ، أصطفاهم الله تعالى – أي الصحابة – بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم فحازوا قصب السبق في الخيرِّية والفضل.

وبكل حال .. فمنزلة الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الدين بمكان ، فهم أبرُّ الناس قلوباً ، وأصدقهم ألسُناً ، وأعمقهم إيماناً ، وأشجعهم عند اللقاء ، وأزهدهم في الدنيا ، قوم أُوذوا في سبيل الله ، وأُخرجوا من ديارهم وأموالهم ، فارق بعضهم والديه ، وفارق بعضهم ولده ، وفارق بعضهم زوجه ، هرجوا أوطانهم ، وتركوا أموالهم ، تكبدوا المشاق وشظف العيش من أجل نصرة هذا الدين ، قوم يؤثرون ولا يستأثرون ، بل يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، فرضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه .

وحسبُ الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الفضل العظيم والذكر الجميل أن الله تعالى زكاهم وأثنى عليهم في غير آية من كتابه الكريم ، ومن ذلك قوله تعالى : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوهم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزرَّاع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً } [الفتح:29] .

إلى غير ذلك من الآيات .وكما جاءت تزكية الصحابة رضي الله تعالى عنهم في الكتاب فقد وردت – بل كثرت – تزكيتهم في السنة النبوية ؛ تأكيداً لفضلهم وإظهاراً لعظيم قدرهم .فمن ذلك على سبيل المثال :قولـه صلى الله عليه وسلم : «خـيــر الــنــاس قــرنــي ... » أخرجه الشيخان .وقوله صلى الله عليه وسلم: «طــوبـى لـمـن رآنـي وآمـــن بــي» أخرجه الإمام أحمد .

شاهد المقال .. أن معرفة قدر الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ومالهم من شريف منزلة وعظيم المرتبة ، من أهم المهمات .فلهم من الحقوق والواجبات من يتعلق بدين المرء وصلاح عقيدته ، ولهذا كانت محبة الصحابة رضي الله تعالى عنهم من أصول معتقد أهل السنة والجماعة .ولأجل ما كان لهذه المنزلة من الشرف وما لأصحابها من الفضل والعلو والرفعة في الدنيا والآخرة ، وكذلك أيضاً ما لمحبتهم من سلامة معتقد المسلم من أجل هذا وذاك وغيره كان لزاماً على المسلم أن يعمِّق محبة الصحابة رضي الله تعالى عنهم في نفسه ، وأن يَحْذَرَ ويُحَذِّرَ مما وقع فيه بعض من أغواهم الشيطان ، فولغوا في طهارة الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وقدحوا في أعراضهم .

فهذا الأمر من الموبقات المهلكات في الدنيا والبرزخ والآخرة .لأنه إذا كان عرض المسلم مصوناً يحرم المساس به ، فكيف بأولئك الثلة المباركة الطاهرة الذين زكاهم ربهم تعالى ، وزكاهم نبيهم r، وأوجبت العقول عدالتهم ، ونزاهتهم وطهارة بواطنهم وظواهرهم ؟فإذا كان ذلك كذلك فأي قدح في الصحابة رضي الله تعالى عنهم فهو زيادة لهم في الدرجات ، وعلى قادحهم زيادة في الخطيئات .

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : قيل لعائشة : إن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر !! فقالت رضي الله تعالى عنها : وما تعجبون من هذا !؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله ألا يقطع عنهم الأجر .

وعوداً على بدء يقال .. إنَّ المصنفات في شأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كثيرة ما بين مطول ومختصر ، ومنثور ومنظوم ، ومنها هذا المصنف اللطيف الموسوم بـ ( فضل الصحابة رضي الله عنهم وحقوقهم على الأمة ) ، تأليف فضيلة الشيخ القاضي/ فهد بن سعد بن إبراهيم آل ماجد بارك الله في علمه وعمله وقلمه .

فلقد ضمَّن بحثه شيئاً من النصوص القرآنية والنبوية الدالة على فضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، مع بيان وجوه الاستشهاد منها ، كل هذا مع نقول مسددة وموثقة .وأسبق ذلك أثابه الله تعالى بمسائل لطيفة حول تعريف الصحابي وعدد الصحابة وطرق معرفتهم ، وألحقه بحقوق الصحابة على الأمة ، وأورد في ثنايا البحث فوائد بديعة متنوعة ، فكان بحثاً قيِّماً في بابه على وجازته واختصاره .الله اسأل أن ينفع به وأن يبارك في مؤلفه وأن يزيده علماً وعملاً وتوفيقاً ، إنه تعالى سميع مجيب .والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السدحان 25/6/1423هـ

مقالات ذات صلة