398-[ غضب منذر بن سعيد لله تعالى]
قال أبو الحسن المالقي الأندلسي :"ومن أخباره المحفوظة مع الخليفة عبد الرحمن ، في إنكاره عليه الإسراف في البناء ، أن الناصر كان قد اتخذ ، لسقف القبيبة المصغرة الاسم للخصوصية التي كانت مماثلة على الصرح الممرد المشهور شأنه بقصر الزهراء ، قراميد مغشاة ذهباً وفضة ، أنفق عليها مالاً جسيماً ، وقرمد سقفها بها ، تشتت الأبصار بأشعة أنوارها . وجلس فيها يوماً ، اثر تمامها ، لأهل مملكته ، فقال لقرابته منهم من الوزراء وأهل الخدمة ، مفتخراً بما صنعه من ذلك : هل رأيتم أو سمعتم ملكاً كان قبلي فعل مثل فعلي هذا أو قدر عليه ؟ فقالوا : لا يا أمير المؤمنين وإنك لواحد في شأنك كله ، وما سبقك إلى مبتدعاتك هذه ملك رأيناه ، ولا انتهى إلينا خبره فأبهجهقولهم وسره . وبينما هو كذلك ، إذ دخل عليه القاضي منذر بن سعيد ، واجماً ناكس الرأس ؛ فلما أخذ مجلسه ، قال له كالذي قال لوزرائه من ذكر السقف المذهب ، واقتداره على إبداعه ؛ فأقبلت دموع القاضي تنحدر على لحيته ، وقال له : والله يا أمير المؤمنين ، ما ظننت أن الشيطان لعنه الله يبلغ منك هذا المبلغ ، ولا أن تمكنه من قبلك هذا التمكين ، مع ما آتاك الله من فضله ونعمته ، وفضلك به على العالمين ، حتى ينزلك منازل الكافرين قال : فانفعل عبد الرحمن لقوله ، وقال له : انظر ما تقول وكيف أنزلتني منزلتهم ؟ فقال له : نعم أليس الله تعالى يقول : ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون . فوجم الخليفة ، وأطرق ملياً ، ودموعه تتساقط خشوعاً لله سبحانه ، ثم أقبل على منذر وقال له : جزاك الله ، يا قاضي عنا وعن نفسك خيراً وعن الدين والمسلمين أجل جزائه وكثر في الناس أمثالك فالذي قلت هو الحق وقام عن مجلسه ذلك ، وأمر بنقض سقف القبة ، وأعاد قرمودها تراباً على صفة غيرها" .
[تاريخ قضاة الأندلس لإبي الحسن المالقي(ص71و72) طبعة المكتب التجاري].