368-[وجوه ترجيح البخاري على مسلم ]
قال الحافظ ابن حجر:وأما من حيث التفصيل فيترجح كتاب البخاري على كتاب مسلم فإن الإسناد الصحيح مداره على اتصاله وعدالة الرواة كما بيناه غير مرة، وكتاب البخاري أعدل رواة وأشد اتصالا من كتاب مسلم والدليل على ذلك من أوجه:
أحدها: أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وخمسة وثلاثون رجلا.المتكلم فيهم بالضعف (نحو من ثمانين رجلا).والذين انفرد مسلم بإخراج حديثهم دون البخاري ستمائة وعشرون رجلا.المتكلم فيهم بالضعف منهم مائة وستون رجلا على الضعف من كتاب البخاري. ولا شك أن التخريج عن من لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عن من تكلم فيه، ولو كان ذلك غير سديد.
الوجه الثاني: أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يكن يكثر من تخريج أحاديثهم، وليس لواحد منهم نسخة كبيرة أخرجها أو أكثرها إلا نسخة عكرمة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.بخلاف مسلم فإنه يخرج أكثر تلك النسخ التي رواها عمن تكلم فيه كأبي الزبير عن جابر - رضي الله تعالى عنه - وسهيل عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -، وحماد بن سلمة عن ثابت عن أنس – رضي الله تعالى عنه - والعلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ونحوهم.
الوجه الثالث: أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم فميز جيدها من رديها بخلاف مسلم، فإن أكثر من تفرد بتخريج حديثه ممن تكلم فيه من المتقدمين، وقد خرج أكثر نسخهم كما قدمنا ذكره.ولا شك أن المرء أشد معرفة بحديث شيوخه وبصحيح حديثهم من ضعيفه ممن تقدم عن عصرهم.
الوجه الرابع: أن أكثر هؤلاء الرجال الذين تكلم فيهم من المتقدمين يخرج البخاري أحاديثهم غالبا في الاستشهادات، والمتابعات والتعليقات بخلاف مسلم، فإنه يخرج لهم الكثير في الأصول والاحتجاج، ولا يعرج البخاري في الغالب على من أخرج لهم مسلم في المتابعات (فأكثر من يخرج لهم البخاري في المتابعات يحتج بهم مسلم، وأكثر من يخرج لهم مسلم في المتابعات لا يعرج عليهم البخاري).فهذا وجه من وجوه الترجيح ظاهر.والأوجه الأربعة المتقدمة كلها تتعلق بعدالة الرواة.
وبقي ما يتعلق بالاتصال: وهو الوجه الخامس: وهو أن مسلم كان مذهبه بل نقل الإجماع في أول صحيحه أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن والمعنعن عنه وإن لم يثبت اجتماعهما.والبخاري لا يحمله على [الاتصال] حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة واحدة. وقد أظهر البخاري هذا المذهب في التأريخ، وجرى عليه في الصحيح، وهو مما يرجح كتابه به، لأنا وإن سلمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال فلا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال.وبهذا يتبين أن شرطه في كتابه أقوى اتصالا وأشد تحريا. - والله أعلم -.
[النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر(1/286و287و288و289)الجامة الإسلامية بالمدينة المنورة]