مكتبـــــة الفوائد

2025-12-03 10:00:00

297- من مجابي الدعوة

297-[من مجابي الدعوة ]

قال التنوخي:(يا قديم الإحسان لك الحمد)"حدثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن البهلول التنوخي، قال: كان ينزل بباب الشام من الجانب الغربي من بغداد رجل مشهور بالزهد والعبادة، يقال له: لبيب العابد، لا يعرف إلا بهذا.وكان الناس ينتابونه، وكان صديقاً لأبي، فحدثني لبيب، قال: كنت مملوكاً رومياً لبعض الجند، فرباني، وعلمني العمل بالسلاح، حتى صرت رجلاً، ومات مولاي بعد أن أعتقني.فتوصلت إلى أن حصلت رزقه لي، وتزوجت بامرأته، وقد علم الله أنني لم أرد بذلك إلا صيانتها، فأقمت معها مدة.ثم اتفق أني رأيت يوماً حية داخلة في جحرها، فأمسكت ذنبها، فانثنت علي، فنهشت يدي، فشلت.ومضى على ذلك زمان طويل، فشلت يدي الأخرى، لغير سبب أعرفه، ثم جفت رجلاي، ثم عميت، ثم خرست.وكنت على ذلك الحال - ملقىً - سنة كاملة، لم تبق لي جارحة صحيحة، إلا سمعي، أسمع به ما أكره، وأنا طريح على ظهري، لا أقدر على الكلام، ولا على الحركة، وكنت أسقى وأنا ريان، وأترك وأنا عطشان، وأهمل وأنا جائع، وأطعم وأنا شبعان.فلما كان بعد سنة، دخلت امرأة إلى زوجتي، فقالت: كيف أبو علي، لبيب ؟ فقالت لها زوجتي: لا حي فيرجى، ولا ميت فيسلى.فأقلقني ذلك، وآلمني ألماً شديداً، وبكيت، ورغبت إلى الله عز وجل في سري بالدعاء.وكنت في جميع تلك العلل لا أجد ألماً في جسمي، فلما كان في بقية ذلك اليوم، ضرب علي جسمي ضرباناً عظيماً كاد يتلفني، ولم أزل على ذلك الحال، إلى أن دخل الليل وانتصف، فسكن الألم قليلاً، فنمت.فما أحسست إلا وقد انتبهت وقت السحر، وإحدى يدي على صدري، وقد كانت طول هذه السنة مطروحة على الفراش لا تنشال أو تشال.ثم وقع في قلبي أن أتعاطى تحريكها، فحركتها، فتحركت، ففرحت بذلك فرحاً شديداً، وقوي طمعي في تفضل الله عز وجل علي بالعافية.فحركت الأخرى فتحركت، فقبضت إحدى رجلي فانقبضت، فرددتها فرجعت، ففعلت مثل ذلك مراراً.ثم رمت الانقلاب من غير أن يقلبني أحد، كما كان يفعل بي أولاً، فانقلبت بنفسي، وجلست.ورمت القيام فأمكنني، فقمت ونزلت عن السرير الذي كنت مطروحاً عليه، وكان في بيت من الدار.فمشيت ألتمس الحائط في الظلمة، لأنه لم يكن هناك سراج، إلى أن وقعت على الباب، وأنا لا أطمع في بصري.فخرجت من البيت إلى صحن الدار، فرأيت السماء والكواكب تزهر، فكدت أموت فرحاً.وانطلق لساني بأن قلت: يا قديم الإحسان، لك الحمد.ثم صحت بزوجتي، فقالت: أبو علي ؟ فقلت: الساعة صرت أبو علي ؟ أسرجي، فأسرجت.فقلت: جيئيني بمقراض، فجاءت به، فقصصت شارباً لي كان بزي الجند.فقالت زوجتي: ما تصنع ؟ الساعة يعيبك رفقاؤك.فقلت: بعد هذا لا أخدم أحداً غير ربي.فانقطعت إلى الله عز وجل، وخرجت من الدار، وطلقت الزوجة، ولزمت عبادة ربي.وقال أبو الحسن: وخبر هذا الرجل معروف مشهور، وكانت هذه الكلمة: يا قديم الإحسان لك الحمد، صارت عادته، يقولها في حشو كلامه.وكان يقال إنه مجاب الدعوة، فقلت له يوماً: إن الناس يقولون إنك رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامك، فمسح يده عليك، فبرئت.فقال: ما كان لعافيتي سبب غير ما عرفتك".

[الفرج بعد الشدة للتنوخي (4-198) تحقيق عبود الشالجي صادر بيروت].

فوائد ذات صلة