104-[من صلابة ابن أبي ذئب في الحقّ وعدم مُداهَنتِه]
قال ابن أبي حاتم :" أخبرني أبو عثمان الخوارزميّ نزيل مكّة فيما كتب إليَّ، حدثنا محمد بن عبد الرّحمن الدّينوري، حدثنا محمد بن عبد الحكم؛ قال أخبرنا الشّافعي قال حدثني عمِّي محمد بن علي قال: إنّي لحاضر مجلسَ أميرِ المؤمنين أبي جعفر المنصور- وفيه ابن أبي ذئب والحسن بن زيد، وَالِي المدينة، فأتى الغِفَارِيُّون، فشَكَوْ إليه شيئاً مِنْ أمْرِ الحسن، فقال: يا أمير المؤمنين سَلْ فيهم ابن أبي ذئب، فسأله فقال: أشهدُ أنّهم أهلُ تَهَكُّمٍ في أعراض المسلمين، كثيرُو الأذى لهم؛ فقال أبو جعفر: قد سمعتم، فقالوا: سَلْهُ عن الحسن، فقال: ما تقولُ فيه؟ فقال: أشهدُ أنّه يحْكُمُ بغير الحقِّ، ويتَّبِعُ هواهُ، قال محمد: فجَمَعْتُ ثيابي - والسيَّاف قائمٌ على رأسِ أبي جعفر- مَخَافَة أن يأمُرَ به فَيُقْتَلَ، فيصيبَ دمُه ثوبي، فقالَ أبو جعفر: قد سمعْتَ يا حسن ما قالَه، فقال: سَلْهُ عن نَفْسِك؛ فقال أبو جعفر لابن أبي ذئب: فما تقولُ فيَّ؟ قال: أَو َيُعْفِينِي أمير المؤمنين؟ فقال: والله لَتُخْبِرَنٍّي، فأَلْيَنَه وَوَهَّنَه فقال: أشهد أنَّكَ أخَذْتَ هذا المالَ من غيرِ حَقِّه، وجَعَلْتَه في غير أهلِه، فجاء أبو جعفر من موضعه، حتّى وضع يده في قَفَاه؛ قال محمد: فجَمَعْتُ ثيابي مَخَافَة أن يأْمُر به، فيُصِيبَ دمُه ثوبي، ثم قال: أما والله لولا أنَا لَأَخَذَتْ أبناءُ فارس والرّوم والتّرك والدّيلم بهذا المكان مِنْكَ، فقال: قد وَلِيَ أبو بكر وعمر فأخذا بالحقّ، وقسما بالسَّوِيّة، وأخذا بأَقْفَاء فارس والرّوم، وأصغَرَا آنافَهُم، فخَلَّى أبو جعفر قَفَاه، وأطلَقَ سبيلَه، وقال: والله لولا أنيِّ أعلمُ أنّكَ صادقٌ لَقَتَلْتُك، فقال ابن أبي ذئب لأبي جعفر: أنا والله أَنْصَحُ لك من المهديّ، يعني ابنه. "
[آداب الشافعي ومناقبه (46-48) تأليف الحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي تحقيق عبد الغني عبد الخالق مكتبة التراث الإسلامي]