278-[ شقائق النعمان]
قال التنوخي:"(ابن الجصاص الجوهري يلتقط جواهره المبعثرة لم يفقد منها شيئاً)حدثني أبو علي بن أبي عبد الله بن الجصاص، قال: سمعت أبي يقول: اتفق أني كنت يوم قبض علي المقتدر جالساً في داري، وأنا ضيق الصدر، ضيقاً شديداً، لا أعرف سببه.وكان من عادتي إذا لحقني مثل ذلك، أن أخرج جواهر عندي في درج معزولة لهذا، من ياقوت أحمر، وأزرق، وأصفر، وحباً كباراً ودراً فاخراً، يكون قيمة الجميع خمسين ألف دينار، وأكثر، وأستدعي صينية ذهب لطيفة، فأجعله فيها، وألعب به، وأقلبه، فيزول ضيق صدري.فاستدعيت ذلك الدرج، فجاءوني به بلا صينية، فأنكرت ذلك، وأمرت بإحضارها، وفتحت الدرج، وفرغت ما فيه في حجري، ورددته على الخادم، وأنفذته يجيئني بالصينية، وأنا جالس في بستان، في صحن داري، في يوم بارد، طيب الشمس، وهو مزهر بصنوف الشقائق، والمناثير، وأنا ألعب بتلك الجواهر، إذ دخل الناس إلي بالصياح، والمكروه، والكبس، فقربوا مني.فدهشت، ولم أحب أن يظهروا على ما في حجري، فنفضت جميعه في ذلك الزهر في البستان، ولم ينتبهوا له.فأخذت، فحملت، وجرى علي ما جرى من المصادرة، وبقيت في الحبس المدة الطويلة، وتقلبت الفصول على البستان، فجف ما فيه، ولم يفكر أحد في قلعه، أو زراعته، وإثارته، وأغلقت الدار، فما قربها أحد من أصحابي، ولا أعدائي، بعد الذي أخذ منها، وفرغت، ووقع اليأس من وجود شيء فيها.ثم سهل الله إطلاقي، فأطلقت، فحين جئت إلى داري، ورأيت الموضع الذي كنت جالساً فيه ذلك اليوم، ذكرت حديث الجوهر الذي كان في حجري، ونفضي إياه في البستان.فقلت: ترى بقي منه شيء ؟.ثم قلت: هيهات، هيهات، وأمسكت.فلما كان في الغد، أخليت الدار، وقمت بنفسي ومعي غلام يثير البستان بين يدي، وأنا أفتش شيئاً، شيئاً، مما يثيره، وأجد الواحدة بعد الواحدة، من ذلك الجوهر، وكلما وجدت شيئاً، حرصت على الإثارة، وطلب الباقي، إلى أن أثرت جميع البستان، فوجدت جميع ذلك الجوهر، ما ضاع لي منه واحدة.فأخذته، وحمدت الله، وعلمت أنه قد بقيت لي بقية من الإقبال صالحة".
[الفرج بعد الشدة للتنوخي (3-77) تحقيق عبود الشالجي صادر بيروت].