مكتبـــــة الفوائد

2025-12-03 10:00:00

381- مسألة هل يقضي القاضي بعلمه

381-[ مسألة هل يقضي القاضي بعلمه ]

قال أبو الحسن المالقي الأندلسي :"وقوله : " أقضي له على نحو ما أسمع " احتج به من لا يجيز حكم الحاكم بعلمه لقوله : فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض أي أفطن لها ، وقوله : على نحو ما أسمع ؛ ولم يقل : أعلم ؛ ومن يرى حكم الحاكم بعلمه لا يلتفت إلى ما سمع ، خالف أو وافق . قال عياض : وقد اختلف العلماء في حكم الحاكم بعلمه ، وما سمعه في مجلس نظره . فمذهب مالك وأكثر أصحابه أن القاضي لا يقضي في شيء من الأشياء بعلمه ، إلا فيما أقر به في مجلس قضائه ، خاصة في الأموال . وبه قال الأوزاعي ، وجماعة من أصحاب مالك المدنيين ، وغيرهم ، وحكوه عن مالك . وقال الشافعي في مشهور قوليه ، وأبو ثور ، ومن تبعهما ، أنه يقضي بعلمه في كل شيء من الأموال ، والحدود ، وغير ذلك ، مما سمعه أو رآه قبل قضائه وبعده ، وبمصره وغيره . وذهب أبو حنيفة إلى أنه يقضى بما سمعه في قضائه وفي مصره ، في الأموال ، لا في الحدود . انتهى . ووقع كذلك في المسألة ، بين الفقهاء بقرطبة ، اختلاف ؛ فذهب منهم أبو إبراهيم ، ومحمد بن العطار ، في آخرين ، إلى أن القاضي له أن يقضي بعلمه دون شهود . ومال قوم إلى خلاف ذلك ، وقالوا : إنما لم يقض بعلمه ، دون بينة ، لأن فيه تعريض نفسه للتهم ، وإيقاعها في الظنون . وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم الظن . قال القاضي أبو الأصبغ بن سهل : وهذا عندي القياس الصحيح المطرد لمن قال : لا يقضي القاضي بعلمه ، ولا بما سمع في مجلس نظره ، لكن الذي قاله أبو إبراهيم وابن العطار ، وجرى به العمل ، وهو عندي الاستحسان ، ويعضده قول مطرف ، وابن الماجشون ، وأصبغ في كتاب ابن حبيب ، أن القاضي يقضي على من أقر عنده في مجلس نظره ، بما سمع منهم ، وإن لم تحضره بينة . وقاله ابن الماجشون في المجموعة ، وبه أخذ أبو سعيد سحنون بن سعيد ، وقاله أصبغ في كتابه ؛ وهو ظاهر قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ؛ فأقضي له على نحو ما أسمع منه " الحديث . وقوله عليه الصلاة والسلام : " إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي " معناه حصره في البشرية بالنسبة إلى الاطلاع على بواطن الخصوم ، لا بالنسبة إلى كل شيء ؛ فإن للرسول صلى الله عليه وسلم وصايا كثيرة . فللقاضي ، على ما تقرر في المسألة من كلام ابن سهل وغيره ، أن يقضي بما صح عنده وسمعه من أمر الخصمين ، وأن له أن ينفذ ذلك بينهما ، ويمضيه من نظره وحكمه".

[تاريخ قضاة الأندلس لإبي الحسن المالقي(ص7و8)طبعة المكتب التجاري].

فوائد ذات صلة